$$ باحبك .... يارب $$ *** | ||
كل عام وأنتم بخير، مرت علينا ليالي العيد بفرحتها ووقف الحجاج على عرفات الله طالبين المغفرة والعفو؛ ليعودوا كما ولدتهم أمهاتهم بغير ذنوب، فما أوسع رحمات الله. وقبل أن نكمل حديثنا معا في سلسلة الأخلاق أود أن أقول لكم إن هذه الأيام بما تحمله من جمال وجلال أعادتني لطفولتي الأولى وحركت فيّ شجنا وشوقا وددت أن أعبر عنه في هذا المقال. فمنذ نعومة أظفاري وقد ربتني أمي على حب الله لأنه ربي الذي خلقني وكانت تقول لي إنه هو الذي أعطانا كل شيء عندنا وبأسلوب تربوي بسيط تشير إلى عيني وتسألني: من أعطاك هذه؟ أقول: الله، من يطعمنا؟ فأقول: الله، من رزقك بأبويك؟ أقول: الله. وكانت تقول لي إن الله مدخر لنا هدايا كثيرة عنده في الجنة.. فكأي طفل نشأ في فطرته حب وتعظيم لله صاحب الفضل الكبير علينا. وتركتني أمي مع بعض التوجيهات أرى فضل الله عليّ وعلى من حولي. وكلما أكبر وأنضج وينضج عقلي، أرى كرمه في كل شيء حولي. وكلما علمت عن ربي شيئًا، ازداد تعلقي به وازداد شوقي لأعرف عنه أكثر وازدادت شفقتي على من يظنون السعادة بدون القرب منه في هذه الدنيا. وأحببته لما علمت حبه لنا وأن هذا الحب بدأ من قبل وجودنا وقبل أن يكون لأحد منا عمل صالح يؤجر عليه أو ينال حب ربنا في مقابله. فقد أحبَّنا الله منذ أمر قلم القدر الذي خط كل شيء في اللوح المحفوظ الذي هو فيه مقادير العباد، أمر القلم أن يكتبنا من أمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهذا محض فضل واختيار لنا من الله أن نكون من أتباع ذلك النبي الذي عاش من أجل أن نخرج نحن مسلمين لنصل إلى جنات رب العالمين، لم يكن ينام بل كان صباحا يدور على القبائل ليبلغ رسالات ربه وليأخذ بيد الناس إلى خالقهم، وفي المساء إذا فرغ من دعوة الناس نصب قدميه ليدعو لهم بالهداية: {فإذا فرغت فانصب}. حيث دخلت عليه زوجته "خديجة" تقول له: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفلا تنام يقول: "مضى زمن النوم يا خديجة". كانت له دعوة مستجابة كإخوانه الأنبياء وكان من الممكن أن يتعجَّل بها على من حاربه من كبار المشركين لكنه قال: "لكل نبي دعوة مستجابة تعجل بها في الدنيا وأخَّرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة" متفق عليه. ولم يزل رسولنا -صلي الله عليه وسلم -ليل نهار يقول: "يا رب أمتي أمتي"، حتى أرسل الله له جبريل -عليه السلام- ليطمئن قلبه فقال له: "يا محمد إن الله يقول لك إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك" رواه مسلم. فما أسعد هذه الأمة بنبيها الشفيق الرقيق الذي عاش من أجلهم ومات في سبيل ربه وهو يبلغهم رسالته. فكيف لا أذوب حبًا وشوقًا لربي وقد اختارني لأتبع هذا الرسول الرحمة للعالمين دون سابقة فضل أو إخلاص مني؟! بحبك يا رب أحببته لما علمت أن الله على غناه الواسع وقدرته العظيمة واستغنائه عن عبيده، يقبل القليل من أعمالنا ويجازي عليها بالكثير. هل علمت أحدًا يرضى بالقليل مثل ربك؟! هل تعلم أن كلمة "الحمد لله" تكفي لرضا الله عنك؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضي عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها" رواه مسلم. هل تعلم أن الله يغفر لك كل ذنوبك في ثلاث دقائق قال صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" متفق عليه، وزبد البحر هو رغاوي البحر البيضاء الكثيفة والكثيرة بحيث لا يستطيع حصرها بصرك. هل تعلم أن ربك رأى رجلاً يسير في الطريق فوجد غصن شوكٍ فنحَّاه جانبًا "فشكر الله له فغفر له"، كما ورد في حديث لرسول الله رواه البخاري. هل تعلم أن الله يغفر الذنوب التي عملتها في سنة ماضية أو ستفعلها مستقبلاً في السنة الآتية بصيام يوم وهو يوم عرفة كما أخبرنا رسول الله كما في صحيح البخاري. ما أعظمك يا رب يفعل العباد أشياء بسيطة على قدر طاقتهم فتعطيهم أنت على قدر كرمك. بحبك يا رب أحببته لما علمت أن الله خلق من أجلنا ملائكة بالمليارات يسعون على راحتنا في الدنيا والآخرة؛ فهؤلاء الحافظون لنا، الكرام الكاتبون الذين يكتبون حسناتنا ليلقوا بها عند رب العالمين في القيامة: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ} وهؤلاء حملة العرش الثمانية. هل تعلم الآن وأنت تقرأ هذه المقالة ماذا يفعلون إنهم يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به، ويستغفرون لنا. {الذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} غافر. يا الله... أنذنب نحن؛ ثم تستغفر لنا الملائكة؟! نعم: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ}. وهذه ملائكة وجوههم كالشمس يدخلون مع ملك الموت في صورة استبشارية لقبض أرواح العباد المؤمنين: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.. تخيل تدخل الملائكة لقبض روح المؤمن تقول: سلام عليكم ليطمئنوا قلبه وكل ذلك من الله. بحبك يا رب أحببته لما عرفت أن ملك الملوك وجبار السماوت والأرض هو الذي ينزل إلينا وينادي علينا كل يوم لنرجع إليه... يا الله... الله هو الذي ينزل.. نعم أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يكون الثلث الأخير من الليل ينادي على العبيد هل من تائب فأتوب عليه.. هل من مستغفر فأغفر له.. هل من سائل فأعطيه". نحن نذنب وهو ينزل ينادي من يستغفر لأغفر له. نحن نعصي بالليل والنهار وهو يبسط يده بالليل والنهار لنرجع إليه ونتوب إليه وهو أصلاً لا يحتاج إلينا إنما كل ذلك هو فضل وحب منه سبحانه جل في علاه. بحبك يا رب ومما أذهب عقلي وكدت أذوب شوقًا وحبًا لله العظيم ما علمته من أن العبد إذا أذنب سواء كانت ذنوبه كبيرة أو صغيرة، ثم أراد بعد أن أدرك أنه أخطأ في حق ربه أن يتوب ويرجع فإن الله ليس فقط يقبله ولكن يبدل سيئاته حسنات. لحظة لنقف: شارب الخمر - الزاني - تارك الصلاة. هل أنت مدرك حجم ذنوب هؤلاء؟ هل أنت مدرك أن التوبة هي الندم على الذنب والكف عنه والعزم على عدم العودة إليه ثم البدء في الأعمال الصالحة، هل أنت مدرك أن الزاني تُبَّدل سيئات زناه حسنات؟ !!هل أنت مدرك أن شارب الخمر لو تاب لصارت حسناته تلالاً بعد أن كانت سيئات، يقول ربي: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. بجد بحبك يا رب يا رب كل هذا في الدنيا؟! فما بالنا بالجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فوا شوقاه لمن يراني ولا أراه.. بحبك يا رب للداعيه الشاب/مصطفى حسنى ؛ | ||